مع استمرار الجمود الممتدّ منذ عدّة أشهرعلى مستوى الشغور الرئاسي، وغيره من الاستحقاقات الداخلية، وسط ترقّب حذر للتصعيد على الجبهة الجنوبية، والذي قد يتوسع ليتحوّل حرباً تستهدف البلد بأكملّه، أتت مبادرة رئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل لكسر هذا الجمود وبالتالي السعي لاستعراض وجهات النظر وتوحيد الرؤية بين القوى السياسية، إذا أمكن التعبير.
وكان اللافت أنَّ باسيل استهلّ جولته بلقاء رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، عقب التوتّر الذي كان سيّد الموقف في الفترة الأخيرة، والبيانات المتضاربة بين الطرفين، ثمَّ اللقاء الاستثنائي والمفاجئ، بعد قطيعة دامت لأشهر مع رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، على خلفية ترشحه للرئاسة. باسيل شدّد في لقاءاته كافة على ضرورة تجنيب لبنان الحرب، والتلاقي حول تفاهم وطني يحفظ الوحدة الوطنية، كما إعادة تكوين السلطة بانتخاب رئيس للجمهورية وتأليف حكومة، طارحاً مجموعة نقاط خلال مؤتمر صحفي عقب انتهاء جولته. إلّا أنَّ التساؤلات تُطرح حول قدرة باسيل على ترجمة هذه الطروحات على أرض الواقع؟
في الإطار، اعتبرَ الصحافي وجدي العريضي أنّه "لا شك في أنَّ هذه الزيارات تحمل طابعاً إيجابياً في مثل هذه الظروف التي يمرّ بها لبنان وتحديداً المنطقة من خلال حرب غزة، وارتداداتها على الداخل اللبناني، لذا وجبَ تمكين وتحصين الجبهة اللبنانية، إذ إنَّ مبادرة باسيل هذه، وبمعزل عن كل المواقف السياسية، تساعد في تقريب المسافات بين الكتل، ففي الحروب السابقة كافة كان الحوار قائماً على وجه الدوام بين المقاتلين"، على حدّ تعبيره.
العريضي كشفَ في حديث لمنصة "بلوبيرد لبنان" عن أجواء اللقاء الأبرز في بنشعي، حيث تمَّ الاتفاق على موضوع قيادة الجيش، إذ لا يحبذ الطرفان التمديد لقائد الجيش، وهذا الأمر واضح ويعود إلى خلفية رئاسية، حسب تعبيره، مشيراً إلى أنَّ الزيارات حملت عناوين واضحة، أهمّها التأكيد على ضرورة الوحدة الوطنية في هذه المرحلة، كما أنَّ تصريحات باسيل في كلّ محطة كانت تصبّ في الهدف عينه لناحية الوحدة الوطنية، بغضّ النظر عن الحوارات المتشعبة.
أمّا في الشأن الرئاسي، رأى العريضي أنَّ "ما بعد حرب غزة ليس كما قبلها على صعيد الاستحقاق الرئاسي والاستحقاقات الداخلية، كما لناحية الاصطفافات والتحالفات، إذ إنَّ الجميع يدعو إلى انتخاب رئيس خاصةً في هذه الظروف الحساسة، وهذا ما قاله باسيل أيضاً أثناء جولته، ولكن قد تكون اللحظة اليوم غير مؤاتية، نظراً لتطورات دراماتيكية ميدانية مرتقبة، في الأيام القادمة واحتدام المعارك في غزة"، كاشفاً أنَّ الظرف الحالي قد يحتّم انتخاب إمّا العماد جوزيف عون، اللواء الياس البيسري، بالإضافة إلى حزمة أسماء جديدة مطروحة من قبل بكركي وفي طليعتها الوزير السابق زياد بارود والرئيس الفخري لرابطة خريجي هارفرد في لبنان الدكتور حبيب الزغبي، إلّا أنَّ الاستحقاقات الداخلية كافة تبقى رهينة التطورات في غزة، وما ستؤول إليه هذه المحطة، وما إذا سيشهد لبنان أيّ حرب واسعة النطاق في المدى المنظور.
إلى ذلك، فإنَّ أولى الخطوات المطلوبة لتحصين لبنان وتعزيز مناعته في وجه الرياح التي تعصف بجواره والتي وصلت إلى حدوده الجنوبية، وشكّلت خطراً حقيقياً على شعبه، تتمثل في انتخاب رئيس للجمهورية، فهل تكون حركة باسيل بداية حلحلة على خط الاستحقاق الرئاسي وترتدّ إيجاباً وقبولاً على الكتل المسيحية الأخرى؟.